فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (12):

{ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)}
{ذلكم} إلخ من غير جواب عن الخروج نفيًا أو إثباتًا وإن كان الاستفهام على ظاهره، والمراد طلب الخروج نظير {فارجعنا نَعْمَلْ صالحا} [السجدة: 12] ونحوه لقيل: {اخسؤا فيها} [المؤمنون: 108] أو نحو ذلك كذا قيل، وجوز أن يكونوا طلبوا الرجعة ليعملوا وجب ذلك الاعتراف لكن مع استبعاد لها واستشعار يأس منه والجواب إقناط لهم ببيان أنهم كانوا مستمرين على الشرك فجوزوا باستمرار العقاب والخلود في النار كما يقتضيه حكمه تعالى وذلك جواب بنفي السبيل إلى الخروج على أبلغ وجه، ولا أرى في هذا الوجه بأسًا ويوشك أن يكون المتبادر، والمعنى ذلكم الذي أنتم فيه من العذاب {بِأَنَّهُ} أي بسبب أن الشأن {إِذَا دُعِىَ الله} أي عبد سبحانه في الدنيا {وَحْدَهُ} أي متحدًا منفردًا فهو نصب على الحال مؤول شتق منكر أو يوحد وحده على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر على حد {أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتًا} [نوح: 17] والجملة بتمامها حال أيضًا حذفت وأقيم المصدر مقامها، وفيه كلام آخر مفصل في الوفدة وقد تقدم بعضه.
{كَفَرْتُمْ} بتوحيده تعالى أي جحدتم وأنكرتم ذلك {وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ} بالإشراك أي تذعنوا وتقروا به، وفي إيراد {إِذَا} وصيغة الماضي في الشرطية الأولى و{ءانٍ} وصيغة المضارع في الثانية ما لا يخفى من الدلالة على سوء حالهم وحيث كان كذلك {فالحكم للَّهِ} الذي لا يحكم إلا بالحق ولا يقضي إلا بما تقتضيه الحكمة {العلى الكبير} المتصف بغاية العلوم نهاية الكبرياء فليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله، ولذا اشتدت سطوته بمن أشرك به واقتضت حكمته خلوده في النار فلا سبيل لخروجكم منها أبدًا إذ كنتم مشركين.
واستدلال الحرورية بهذه الآية على زعمهم الفاسد في غاية السقوط، ويكفي في الرد عليهم قوله تعالى: {فابعثوا حَكَمًا مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مّنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] الآية وقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ}

.تفسير الآية رقم (13):

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)}
{هُوَ الذي يُرِيكُمُ ءاياته} الدالة على شؤننه العظيمة الموجبة لتفرده بالألوهية لتستدلوا بها على ذلك وتعملوا وجبها فإذا دعي سبحانه وحده تؤمنوا وإن يشرك به تكفروا، وهذه الآيات ما يشاهد من آثار قدرته عز وجل:
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

{وَيُنَزّلُ} بالتشديد وقرئ بالتخفيف من الإنزال {لَكُم مّنَ السماء رِزْقًا} أي سبب رزق وهو المطر، وإفراده بالذكر مع كونه من جملة تلك الآيات لتفرده بعنوان كونه من آثار رحمته وجلائل نعمته الموجبة للشكر، وصيغة المضارع في الفعلين للدلالة على تجدد الإراءة والتنزيل واستمرارهما، وتقديم الجار والمجرور على المفعول لما مر غير مرة {وَمَا يَتَذَكَّرُ} بتلك الآيات التي هي كالمركوزة في العقول لظهورها المغفول عنها للانهماك في التقليد واتباع الهوى {إِلاَّ مَن يُنِيبُ} يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها والتفكر فيها، فإن الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه فمن لا ينيب عزل عن التذكر.

.تفسير الآية رقم (14):

{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)}
{فادعوا الله} اعبدوه عز وجل: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} من الشرك {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} إخلاصكم وشق عليهم.
وظاهر كلام الكشاف أن {ادعوا} إلخ مسبب عن الإنابة وأن فيه التفاتًا حيث قال: ثم قال للمنيبين والأصل فليدع ذلك المنيب، على معنى إن صحت الإنابة على نحو فقد جئنا خراسانًا، وقد وافق على كونه خطابًا لمن ذكر غير واحد. وفي الكشف التحقيق أن قوله تعالى: {وَمَا يَتَذَكَّرُ} [غافر: 13] إلخ اعتراض وقوله سبحانه: {فادعوا الله} مسبب عن قوله تعالى: {هُوَ الذي يُرِيكُمُ} [غافر: 13] على أنه خطاب يعم المؤمن والكافر لسبق ذكرهما لا للكفار وحدهم على نحو {مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} [غافر: 10] إذ ليس مما نودوا به يوم القيامة، والمعنى فادعوه فوضع الظاهر موضع المضمر ليتمكن فضل تمكن وليشعر بأن كونه تعالى هو المعبود بحق هو الذي يقتضي أن يعبد وحده. وفائدة الاعتراض أن هذه الآيات ودلالتها على اختصاصه سبحانه وحده بالعبادة بالنسبة إلى من ينيب لا المعاند.
وقوله في الكشاف: ثم قال للمنيبين إشارة إلى أن فائدة تقديم الاعتراض أن الانتفاع بالآيات على هذا التقدير فكأنه مسبب عن الإنابة معنى لما كان تسبب السابق للأحق الإنابة، فهذا هو الوجه ولا يأباه تفسير {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} بقوله: وإن غاظ ذلك أعداءكم فإنه للتنبيه على أن امتثال ذلك الأمر إنما يكون بعد إنابتهم وكأن قد حصل ذلك وحصل التضاد بينهم وبين الكافرين، وهو تحقيق حقيق بالقبول لكن في توجيه كلام الكشاف تكلف ظاهر.

.تفسير الآية رقم (15):

{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)}
{رَفِيعُ الدرجات} صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها من رفع الشيء بالضم إذا علا، وجوز أن يكون صيغة مبالغة من باب أسماء الفاعلين وأضيف إلى المفعول وفيه بعد، و{الدرجات} مصاعد الملائكة عليهم السلام إلى أن يبلغوا العرش أي رفيع درجات ملائكته ومعارجهم إلى عرشه.
وفسرها ابن جبير بالسماوات ولا بأس بذلك فإن الملائكة يعرجون من سماء إلى سماء حتى يبلغوا العرش إلا أنه جعل {رفيعًا} اسم فاعل مضافًا إلى المفعول فقال: أي رفع سماء فوق سماء والعرش فوقهن، وقد سمعت آنفًا أن فيه بعدًا، ووصفه عز وجل بذلك للدلالة على سبيل الإدماج على عزته سبحانه وملكوته جل شأنه.
ويجوز أن يكون كناية عن رفعة شأنه وسلطانه عز شأنه وسلطانه كما أن قوله تعالى: {الودود ذُو العرش} كناية عن ملكه جل جلاله، ولا نظر في ذلك إلى أن له سبحانه عرشًا أو لا، فالكناية وإن لم تناف إرادة الحقيقة لكن لا تقتضي وجوب إرادتها فقد وقد؛ وعن ابن زيد أنه قال: أي عظيم الصفات وكأنه بيان لحاصل المعنى الكنائي، وقيل: هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءها تعالى يوم القيامة، وروى ذلك عن ابن عباس وابن سلام، وهذا أنسب بقوله تعالى: {فادعوا الله مُخْلِصِينَ} [غافر: 14] المعنى الأول أنسب بقوله تعالى: {يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ} لتضمنه ذكر الملائكة عليهم السلام وهم المنزلون بالروح كما قال سبحانه: {يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ} [النحل: 2] وأيًا ما كان فرفيع الدرجات و{ذُو العرش} وجملة {يُلْقِى} أخبار ثلاثة قيل: لهو السابق في قوله تعالى: {هُوَ الذي يُرِيكُمُ} [الرعد: 13] إلخ واستبعده أبو حيان بطول الفصل، وقيل: لهو محذوفًا، والجملة كالتعليل لتخصيص العبادة وإخلاص الدين له تعالى، وهي متضمنة بيان إنزال الرزق الروحاني بعد بيان إنزال الرزق الجسماني في {يُنَزّلٍ لَكُم مّنَ السماء رِزْقًا} [غافر: 13] فإن المراد بالروح على ما روى عن قتادة الوحي وعلى ما روى عن ابن عباس القرآن وذلك جار من القلوب مجرى الروح من الأجساد، وفسره الضحاك بجبريل عليه السلام وهو عليه والسلام حياة القلوب باعتبار ما ينزل به من العلم.
وجوز ابن عطية أن يراد به كمل ما ينعم الله تعالى به على عباده المهتدين في تفهيم الايمان والمعقولات الشريفة وهو كما ترى، وقوله تعالى: {مِنْ أَمْرِهِ} قيل: بيان للروح، وفسر بما يتناول الأمر والنهي، وأوثر على لفظ الوحي للإشارة إلى أن اختصاص حياة القلوب بالوحي من جهتي التخلي والتحلي الحاصلين بالامتثال والانتهاء.
وعن ابن عباس تفسير الأمر بالقضاء فجعلت {مِنْ} ابتدائية متعلقة حذوف وقع حالًا من {الروح} أي ناشئًا من أمره أو صفة له على رأي من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي الكائن من أمره، وفسره بعضهم بالملك وجعل {مِنْ} ابتدائية متعلقة حذوف وقع حالًا أو صفة على ما ذكر آنفًا، وكون الملك مبدأ للوحي لتلقيه عنه، ومن فسر الروح بجبريل عليه الصلاة والسلام قال: {مِنْ} سببية متعلقة بيلقى والمعنى ينزل الروح من أجل تبليغ أمره {على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} وهو الذي اصطفاه سبحانه لرسالته وتبليغ أحكامه إليهم، والاستمرار التجددي المفهوم من {يُلْقِى} ظاهر فإن الإلقاء لم يزل من لدن آدم عليه السلام إلى انتهاء زمان نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو في حكم المتصل إلى قيام الساعة بإقامة من يقوم بالدعوة على ما روى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:
«إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» أي بإحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر قتضاهما، وأمر ذلك التجدد على ما جوزه ابن عطية لا يحتاج إلى ما ذكر. وقرئ {رَفِيعُ} بالنصب على المدح {لّيُنذِرَ} علة للالقاء، وضميره المستتر لله تعالى أو لمن وهو الملقى إليه أو للروح أو للأمر، وعوده على الملقى إليه وهو الرسول أقرب لفظًا ومعنى لقرب المرجع وقوة الإسناد فإنه الذي ينذر الناس حقيقة بلا واسطة، واستظهر أبو حيان رجوعه إليه تعالى لأنه سبحانه المحذف عنه، وقوله تعالى: {يَوْمَ التلاق} مفعول لينذر أو ظرف والمنذر به محذوف أي لينذر العذاب أو نحو يوم التلاق وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (16):

{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)}
{يَوْمَ هُم بارزون} بدل من {يَوْمَ التلاق} [غافر: 15] و{هُمْ} مبتدأ و{بارزون} خبر والجملة في محل جر بإضافة {يَوْمٍ} إليها، وقيل: وهذا تخريج على مذهب أبي الحسن من جواز إضافة الظرف المستقبل كاذا إلى الجملة الاسمية نحو اجيئك إذا زيد ذاهب، وسيبويه لا يجوز ذلك ويوجب تقدير فعل بعد الظرف يكون الاسم مرتفعًا به، وجوز أن يكون {يَوْمٍ} ظرفًا لقوله تعالى: {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْء} والظاهر البدلية، وهذه الجملة استئناف لبيان بروزهم وتقرير له وإزاحة لما كان يتوهمه بعض المتوهمين في الدنيا من الاستتار توهمًا باطلًا، وجوز أن تكون خبرًا ثانيًا لهم.
وقيل: هي حال من ضمير {بارزون} و{يَوْمَ التلاق} يوم القيامة سمي بذلك قال ابن عباس: لالتلقاء الخلائق فيه، وقال مقاتل: للالتقاء الخالق والمخلوق فيه. وحكاه الطبرسي عن ابن عباس، وقال السدي: لالتقاء أهل السماء وأهل الأرض؛ وقال ميمون بن مهران: لالتقاء الظالم والمظلوم، وحكى الثعلبي أن ذلك لالتقاء كل امرء وعمله، واختار بعض الأجلة ما قال مقاتل وقال: هو أولى الوجوه لما فيه من حل المطلق على ما ورد في كثير من المواضع نحو {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء لَهُ} [الكهف: 110] {إَنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} [يونس: 7] {وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} [الفرقان: 21].
وقال صاحب الكشف: القول الأول وهو ما نقل عن ابن عباس أولا أشبه لجريان الكلام فيه على الحقيقة ونفي ما يتوهم من المساواة بين الخالق والمخلوق واستقلال كل من البدلين بفائدة التهويل لما في الأول من تصوير تلاقي الخلائق على اختلاف أنواعها، وفي الثاني من البروز لمالك أمرها بروزًا لا يبقى لأحد فيه شبهة.
وأما نحو قوله تعالى: {لِقَاء رَبّهِ} فمسوق عنى آخر، و{بارزون} من برز وأصله حصل في براز أي فضاء، والمراد ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء لأن الأرض يومئذٍ قاع صفصف وليس عليهم ثياب إنما هم عراة مكشوفون كما جاء في الصحيحين عن ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلًا» وقيل: المراد خارجون من قبورهم أو ظاهرة أعمالهم وسرائرهم، وقيل: ظاهرة نفوسهم لا تحجب بغواشي الأبدان مع تعلقها بها، ولا يقبل هذا بدون ثبت من المعصوم، والمراد بقوله تعالى: {مِنْهُمْ} على ما قيل: من أحوالهم وأعمالهم. وقيل: من أعيانهم، واختير التعميم أي لا يخفى عليه عز شأنه شيء ما من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم الجلية والخفية السابقة واللاحقة.
وقرأ أبي {لِيُنذِرَ يَوْمَ} ببناء ينذر للفاعل ورفع يوم على الفاعلية مجازًا.
وقرأ اليماني فيما ذكر صاحب اللوامح {لّيُنذِرَ} مبنيًا للمفعول {يَوْمٍ} بالرفع على النيابة عن الفاعل. وقرأ الحسن. واليماني فيما ذكر ابن خالويه {لّتُنذِرَ} بالتاء الفوقية فقيل: الفاعل فيه ضمير الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: ضمير الروح لأنها تؤنث؛ وقوله تعالى: {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} حكاية لما يسئل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به بتقدير قول معطوف على ما قبله من الجملة المنفية المستأنفة أو مستأنف يقع جوابًا عن سؤال نشأ من حكاية بروزهم وظهور أحوالهم كأنه قيل: فما يكون حينئذٍ؟ فقيل: يقال: {لّمَنِ الملك} إلخ وقوله تعالى: